التحرش في أوروبا والدول المتقدمة

عايزة أحكيلكو عن تجربتي مع التحرش الجنسي في انجلترا.. أي ولله انجلترا.

كنت ماشية بالليل في الشارع اللي كنت ساكنة فيه، مروّحة مع صديقة كانت جاية تزورني بعد ما استقبلتها عند محطة الأوتوبيس. الشارع سكني طويل وكان في الوقت ده فاضي تقريبا، مافيش غير أنا وصديقتي والراجل اللي ماشي ورانا على بعد مترين كده واللي بعد شوية أخدنا بالنا انه بيقوم بما يطلق عليه “فعل فاضح في الطريق العام”. لما شفناه زعقناله ومدّينا خطوتنا بس النتيجة كانت عكسية والراجل انفعل أكتر وابتدى يجري ناحيتنا. كنا لسه بعيد عن البيت فصديقتي اتجهت لأول باب قابلها ورنّت الجرس. غالباً ما كانش فيه حد أو كانوا نايمين، بس التهديد الضمني باننا “هنلمّ عليه الناس” نجح في الحالة دي انه يخوّف المتحرّش فاتدوّر ومشي.

المهم وصلنا البيت بسلام. بس أنا كنت عايزة أعمل حاجة تحسسني اني مش قليلة الحيلة، فقمت متّصلة بالبوليس. بعد عدة تحويلات وأسئلة بتحدد إذا كنت في خطر حالا وللا لأ، رد عليا موظف ياخد مني تفاصيل البلاغ. حكيت له اللي حصل وقلت تعليق خايب في الآخر (ينم عن احساسي بالذنب لأني باخد من وقت الشرطة اللي انا كنت ناسية انها هناك لسه في خدمة الشعب):

– أنا عارفة ان الموضوع بسيط لأننا خلاص في البيت وماحصلناش حاجة بس قلت أبلغ احتياطي.

فوجئت انه بيشخط فيا:

– يعني إيه موضوع بسيط. انتي مش عارفة انه ممكن في اللحظة دي يكون نفس الراجل بيتعرّض لناس غيركم. طبعا لازم تبلغي وهابعتلك ضباط حالا ياخدوا أقوالكم.

أخد العنوان وفعلا في خلال ربع ساعة لقينا اتنين ضباط على الباب (الاتنين رجالة) وبكل احترام واهتمام سألونا عن أوصاف الراجل واتجه فين لما مشي وأسئلة تانية بيتأكدوا منها ان احنا كويسين ومش محتاجين علاج نفسي من اللي حصل.

في الكام سنة اللي عشتها في انجلترا عرفت ان التحرش والعنف الجنسي مش حكر على مجتمعاتنا العربية. التحرشات اليومية موجودة بس بدرجة أقل، والاعتداءات الأكثر جدية منتشرة خصوصا لو واحدة بالليل لوحدها، وناس كتير برضه بتلوم الضحية، وأفراد الشرطة مش دايما بيبقوا على نفس درجة الوعي والمسئولية اللي كان عليها الضباط الحلوين اللي حظي رزقني بيهم. بس في الآخر القانون -والعُرف- في صفّي. فيه نظام مهمته انه يوفّر الأمن لكل المواطنين (والزائرين) في الشارع والأماكن العامة والخاصة، سواء كانوا مؤنثين أو مذكرين. يعني ماكانش ينفع أشتكي للشرطة ألأقي ضابط بيعاكسني أو يقوللي وانتي كان إيه بس اللي مخليكي تمشي في الشارع دلوقتي. ولو حصل وقاللي كده هيكون معرّض لفقدان وظيفته.

الثقافة الذكورية اللي بتخلّي رجالة كتير يتعاملوا مع أي ست معدّية قدّامهم كأنها آداة لتسليتهم أو فرصة للانتقام من كل حاجة قرفاهم في عيشتهم مش اختراع مصري أو عربي. وفي كل مكان تغيير الثقافة دي عملية طويلة ومركّبة. الفرق الأساسي بين هنا وهناك ان هنا التحرش هو القاعدة وهناك التحرش استثناء. هنا ضحية التحرّش لو ماتعلمّتش تطّنش مش هتخلص، ولو ماطنّشتش فيه أوقات كتير مش هتلاقي حد يتعاطف معاها. هناك فيه جهة ممكن تشتكي لها من غير أي شك في ان الحق في صفها لأنها اتعرضت لحاجة انتقصت من حقها في المشي بسلام في الشارع اللي هو مِلك الجميع. من الآخر هناك فيه شوية ناس عاقلة في لحظة صفا كتبوا قوانين محترمة ومهما بلغ الجهل بالأغلبية فيه آليات بتجبر معظم الناس انها تحترم القانون في معظم الأحوال. وهنا القوانين متضاربة وآليات تنفيذها بتفشل عند أول مفترق: الشرطة اللي ممكن نتفق على ان قِلِّتها -بالفعل- أحسن.

طب والحل؟

المدى الطويل أنا واثقة فيه ومؤمنة انه هياخد باله من نفسه. لما التعليم يتصلح والفرص تتكافأ والحاجة للقهر المتبادل بين المواطنين والمواطنات تقلّ. عندي ما يقترب من القناعة ان على المدى الطويل هنلاقي التحرش بيختفي من حياتنا كأثر جانبي واحنا مشغولين بتغيير كل حاجة تانية.

بس ده ما يمنعش اننا محتاجين حلول سريعة وطرق نتعامل بيها مع المشكلة دلوقتي. محتاجين قوانين تتعامل مع التحرش -بكل أنواعه ودرجاته- على انه جريمة، بالمفهوم الأوسع ل”قوانين”، مش بالضرورة حاجة لازم تتنفذ من خلال جهاز الشرطة والقضاء بس كمفاهيم بتحكم تعاملتنا اليومية. ممكن ده يتحقق من خلال اللجان الشعبية مثلاً؟ نعمل لجان ضد التحرش، متطوعين في كل منطقة يكونوا مستعدين لردع المتحرش، وخطوط ساخنة للبلاغات.. ممكن بالتنسيق مع حاجة زي harassmap ونخللي للخريطة دور أكتر من التسجيل وبس.. ممكن البداية تكون مجرد فتح حوار عن مشكلة التحرش مع ممثلّي اللجان الشعبية، ومن خلالهم مع السيدات من أهالي المناطق المختلفة.

مبدئياً وجود تنظيمات أمنية بديلة -زي اللجان- بتشتغل ضد التحرش، حتى لو ماكانتش فعّالة كوسيلة ردع، فهي على الأقل بتأسس لفكرة ان التحرش جريمة، وده في حد ذاته يُعتبر دعم لضحايا التحرش. لأن أول خطوة للردع هتكون دايما ان المتحرَّش بيها ما تسكتش. وكتير مننا بيعملوا كده فعلا وبقالنا سنين ماشيين في الشارع عنينا في وسط راسنا وبنتخانق مع دبّان وشِّنا. بس أي واحدة اتخانقت في الشارع قبل كده عشان واحد اتحرش بيها عارفة انها ممكن تبص حواليها وتلاقي جمهور بيتفرج عليها كأنها مجنونة و-بالضبط- ماشية تتخانق مع دبّان وشّها. اللي ممكن يعمل فرق كبير في الوقت ده ان يكون فيه رقم تقدري تكلميه بصفتك فعلا ضحية لجريمة، تحكيله من غير أي تشكيك ان الحق في صفّك، أو انك تلاقي واحد جاي يجري عليكي من لجنة شعبية و-بنظرة تأثر زي الضباط الحلوين بتوع انجلترا- يقولك:

– انتي كويسة؟ ابن الكلب ده عمل لِك إيه؟

.